سَلُوا قلبي..
أمام اللهِ أُقسمُ
لا سناكِ البرقُ لا رئةَ الشموسِ
تفجّرتْ في البحرِ
لا طلعاتِ فجرِ النارِ
لا ياقوتةَ الأزمانْ
بعينيكِ المدى يصحو
وتنهض في البعيد الشمسُ
والفقراءُ يحتقبون همَّ الليلِ
والشعراءُ والسُّمَّار والغاوون والإيمانْ
أنا...
عيناكِ لا أبوابَ في دربيهما
أمشي تجاه البحرِ حين تُعاود الأحزانْ
أناغي الرملَ في القيعانْ
أسمع رفّةَ البترولِ تنقشُ في كتاب الغيبِ
وعدَ الريحِ، أسمعُ في البعيدِ الشعرَ
يرفع وجهَه المدفونَ بين الثلجِ والنيرانْ
وما همّي سوى طيفين يحترقانِ
يحمل واحدٌ وجهي...
دُوارُ الليلِ في عينيه والأشواقُ والأشعارُ والأشجانْ
يقولُ.. سلمتَ يا من سالَ
سيلُ دمايَ بين يديكَ
أنضحُ
ما هداكَ العطفُ تمسح من خُطايَ الصبرَ
يا من شاهَدَ الإنسانْ
يُطامنُ رأسَه المهزومَ
حين يموت في أعماقه الإنسانْ
سلوا قلبي
أما صلّيتُ ثم بكيتُ ثم حشوتُ
في جيبي حنوطَ اليأسِ
قلتُ أنازلُ الشيطانْ..
إذا لاقيتُ وجهَ اللهِ
كان مراديَ الأسمى
وإنْ دانيتُ بابَ النصرِ
عُدْتُ بحلميَ الموْءودْ
بالإصرار والتأهيل والإمكانْ
سَلوا قلبي،
على عينيكَ شادَ الصيفُ والتجّارُ
عرشَ الموتِ
عبرَ ممالكِ الفرتيتِ(1)،
بين النيلِ في إرعاده الزنجيِّ
والميزانِ، بين الشمسِ والأهرامْ
أنا يا سامعَ الأصواتِ،
من أرجالها النملاتِ،
كُنتُ شرارةً في البرقِ
كنتُ الرعدَ والناقوس في الآفاقِ
كنتُ خواطرَ الأحلامْ
أنا.. عشرون في الصفحات والآهاتْ
ألقُطُ من حصاكَ الجمرَ
لا أهواكَ
من يستبعد المرمى هواك حرامُه الأبديُّ
كيف عرفتَ؟ كيف جزيتَ؟
كيف نفثتَ غازَ الموتِ في الأنسامْ؟
سلوا قلبي،
هواكَ صداقتي وهوايَ كان صداقةَ الأفذاذِ
من أرحامهم عِرْقي ومن آياتهم صدقي
ومن تعويذة الأقسامْ
حصدتُ الرزقَ، كان كفافهُ صُلبي
وصلبَ مواهبي لبناً وأرغفةً
ونقشَ الوجهِ في الأدراجِ
حيث العسفُ والإهمال حيثُ بنادقُ الأرقامْ
تصبُّ النارَ في قلبي
على جرحٍ تنامُ عيونُه الحمراءُ
حين تنامُ أنفاسي
وينبضُ فيه نجمُ البحرِ
يجمدُ فيه ذوبُ الدهرِ والأيامْ
سلوا .. ماذا؟
أعاد لهنَّ لحمٌ هذه المضغاتْ
ترقصُ كالذبائح في خباء الليلِ
تنثر وهْمَها الدمويَّ
ترقد في لحاف الرعبِ والأوهامْ
وتسقط، كانتِ العلياءُ
دارَ الصبر والنكرانِ
كانت قمّةُ الأشياءِ دربَ الموتِ
كان الموتُ درعَ الفارسِ المقدامْ
وتسقط صافناتُ الكُفرِ
تسقط في الهلام الرطبِ
تسقطُ في وعاء الليلِ
يسقط آخرُ الأقلامْ..
وما يرتاح.. خطُّ الظلِّ يُبحرُ في مسارِ
النبضِ منهُ
سلاسلُ الأدواءِ
تحرق فيه حسَّ الفنِّ والإلهامْ
أنا ... يا غوثُ... يا إرصادُ
كنتُ أسائل الرّحمنَ،
يُرسيني على الشطَّينِ
يُحسنُ وجهَ خاتمتي،
ويغسلني بنور الحقِّ والإسلامْ ؟؟
إلهي .. بعضُ ما لاقيتُ
كان جزاءَ معرفتي،
فرُدَّ عليَّ عافيتي، بُرودَ الشِّعرِ والكلماتْ
خلِّ تفرُّدي ينمو، ممالكَ عزَّتي تنمو
بغير كهانةٍ أنمو، أُقيم سرادقَ الشعراءِ،
أحملُ وحديَ الأختامْ
سلوا قلبي
أثارتْ قشرةُ الإيقاعْ؟
شُبَّ اللحنُ، لا يبقيهِ بين أصابعي
إلا عبيرُ الصدقِ
حين يرنُّ كالمخذول تُحرقُ جوفَه الأوجاعْ
جوادُكَ طار بالرؤيا
على مطر الزنابقِ في صباح النورِ
يصهلُ والبيوت تمرُّ
في عينيهِ
ينزل آخرَ الأصقاعْ..
يُفتّش عن ثقاب البرقِ
عن نوّارة الأشجانِ
يعرضُ قلبَه الملتاعْ..
على الأهلاكِ،
هاكمْ اِغسلوا الأدرانَ والأحزانَ،
غَرْسَ الشكِّ والطغيان والأطماعْ
أرى بَرْقين حين تجمّعا رقصا
وحين تفرّقا نقصا
وحين توجّعا شَخَصا
لحضن الشعرِ يرتعدان بالإيقاعْ
أرى أعجوبةَ الإعجازِ تمسك معصمي وتخطُّ.
تسكن داخلي وترفُّ
تفصد عِرقيَ المحمومَ
تنقر داخل الأضلاعْ
سلوا قلبي ،
أما سبَّحتُ ، ثم حمدتُ ثم ضحكتُ ، ثم بكيتُ
ثم دعوتْ
باركْ ربّيَ المسعى فقد أعطيتْ
باركْ فيه حين يفيضُ
حين يغيضُ
واجعلْ خيرَه للناسِ
واجعلْ وجهَه كالبدر حين يتمُّ
واجمعْ حوله الأحبابَ والأصحابَ
والأتباعْ ..
مصطفى سند: شاعر سوداني معاصر وقاص بارز، يلقب برائد القصيدة المعاصرة.
من رواد مدرسة الغابة والصحراء الشعرية.ولد في أم درمان بالسودان عام 1939.
حصل على بكالوريوس تجارة - شعبة علوم بريدية، ودرس ...