الديوان » مصر » نجيب سرور » لزوم ما لا يلزم 44

( 44 )
المسيح واللصوص !
...
أباه !
تصرخ في العراء على الصليب ،
والآب مشغول بعيدا لا يجيب .
عبثا تنادى ( لاحياة لمن تنادى ) ..
أنت منذ الآن وحدك ، أنت فى البلوى يتيم ،
فايأس .. أبعد الصلب ثمة من رجاء ؟ !
الكأس لم تعبر ، وكم صليت ..
يا أبتاه فلتعبر !
لماذا الآب شاء ..
ما كنت دوما لاتشاء ! ؟
لا أنت تدرى ، لا أنا أدرى ، ولا يدرى أحد .
لكنَّ شيئاً واحداً ندريه : أنت الآن شاة سمروها للخشب .
من هم ؟ !
وما الجدوى ؟ انحيا يا قتيل ..
لو قلت من هم قاتلوك ؟ !
( هذا جناه أبى على )
والآب .. مظلوم أبوك !
لكن رويدك ، بعد لم تصلب ،
ستصلب أنت منذ الآن ألفا كل يوم !
بقلادة في صدر كاهن ،
أو رُقْيَةٍ ما بين ثديي عاهرة ،
أيقونة في بيت قواد ، كتاب أو حجاب ..
في جيب لوطنى ، ستحمل كل أوساخ البشر ،
سنصير منشفة بماخور لتمسح فيك أيدى الداخلين ،
والخارجين !
يا للهلاك !
أنصت وكف عن الصراخ .
الشوك غاص إلى عظام الجمجمة !
ستكون أوشاك تغوص إلى نخاعك كل يوم :
سيباح منذ الآن باسمك كل شىء .
سيباح قتل الأبرياء ..
باسم المسيح !
سيراق بحر من دماء ..
باسم المسيح !
ستقام أبراج ، قصور من جماجم ..
باسم المسيح !
سيكون عهر ، خسة ، زيف ، رياء ، أى شىء ..
باسم المسيح !
أنت الضحية ..
حقا ، ولكن أنت مذنب ،
القاتل المقتول أنت !
يا للهلاك !
أنصت وكف عن الصراخ ،
ذاك المساء ..
لما جلست إلى العَـشَـاء
كانوا جميعاً جالسين ،
حتى يهوذا كان يجلس بينهم ،
ما أكثر الأتباع حين يُوَزَّعُ الخُبْزَ المعلم !
مَدُّوا اليك أكفهم يا
غابة الأيدى فغطوا المائدة ،
ومضيت تعطي باليمين وبالشمال ..
خبزا (كلوا خبزى !) وراحوا يأكلون ،
كانوا جميعاً يمضغون ويبلعون ويقسمون :
( لا .. لن نخونك يا معلم ) !
والآن من منهم معك ؟
يا أيها المصلوب من منهم هنا ؟
لاذوا جميعاً بالجحور ،
واذاك وحدك والصليب .
لا .. بل هنا لصان كل دُقَّ مثلك في صليب ،
شكراً لهم .. قد ميزوك عن اللصوص بتاج شوك !
يا للهلاك !
مهلا .. فما هذان باللصين .. لكن اللصوص ..
يأتون باسمك ، ثم باسمك يحكمون ،
في أرضنا أرض اللصوص !
فغداً نراهم يخرجون من الجحور ..
جيشا من الكهان : ( خذ ما تستطيع ،
إصعد على جثث الجميع ،
دُسْ فوق أعناق القطيع )
باسم المسيح !
وسيحفظون جميعهم عن ظهر قلب ..
ما خطه الأتباع عنك .
لو جئت أنت تجادل الكهان سوف يدوخونك :
سيقول لوقا : قال مرقص :
إن متى قال : يوحنا يقول :
( في البدء كان الأمر أخرس ! )
حتما ستخرس .
يا للهلاك !
سيكون آلاف اللصوص ..
فوق العروش أباطرة ،
باسم المسيح !
تيجانهم ذهب ، ثيابهم حرير ،
وفراشهم ريش النعام ،
وطعامهم لحم المسيح !
لكننى سأعود يوما ..
هل تصدق ما تقول ؟ !
الآب قال بأننى حتما أعود ،
ملكا على أرض البشر ،
لتسود في الناس المسرة والسلام !
لو عدت منذا يعرفك ؟
سأقول جئت أنا المسيح .
سيطالبونك بالدليل ؟
ستكون في جيبى البطاقة والجواز!
هذا قليل ..
ما أسهل التزوير للأوراق في عصر اللصوص ،
ولديهم ( الخبراء ) سوف يؤكدون ..
أن الهوية زائفة !
لكن عليها الخَتْمُ خَتْمُ الأب
يا بئس الدليل !
سيؤكد الخبراء أن الختم برهان على زيف الهوية .
سأريهم هذي الثقوب ..
في جبهتى أنظر وفي الكفين ، في الرجلين .. جئت
أنا المسيح ..
سأقول جئت أنا المسيح !
سيقول لوقا : قال مرقص :
إن متى قال : يوحنا يقول :
" فى البدء كان الأمر اصلب ،
والآن صار الصلب أوجب !"
حتما ستصلب من جديد .
هم في انتظارك كل أتباعك ، قطعان اللصوص
هم في انتظارك بالصليب .
ماذا ؟ أتبكى ؟ كل شىء مضحك حتى الدموع !
العصر يضحك من دموعك ، من دموعى ، عصرنا عصر
اللصوص
بل أنت .. حتى أنت لص ،
لو لم تكن ما كان في الأرض اللصوص
حتى أنا لص .. ألم أخدع طويلاً باللصوص ؟ !
( 45 )
سيقال يا كيخوت فيك ..
ما قاله في الخمر مالك !
أبشر .. ففى القاموس آلاف الصفات ..
إلاَّ صفه ..
لن يذكروها الآن في حمى الشماتة ،
( 46 )
السنديانة أسقطتها عاصفة ..
يا جيش حطابين هيا بالبلط
ويل لمنكود سقط !
تخشى الشماتة يا قتيل ؟
أى الأنوف يسيغ رائحة العدو ..
ميتا ، وما للميت أعداء ، ولا حتى لميت أصدقاء ؟
لكن بعض الناس كلبىّ الغريزة ،
لا يستطيب سوى الجِيَف ،
ماذا يضير الشاة سلخ بعد ذبح ؟
الكلب مات .. فمن تقاليد اللصوص ،
قتل الكلاب ..
قبل الولوج إلى الغنيمة !
( 47 )
قالوا بأن الشر مرحلة انتقال ،
فإلاَمَ كان الانتقال ؟
أَمِنَ اللصوصِ إلى لصوص ؟ !
مرحى ( أبا زيد ) كأنك ما غزوت !
( 48 )
كانت عصابات اللصوص ..
من قبل تنظيم ( الهواة ) ،
واليوم ساد ( الاحتراف ) ،
ما أبشع النهب الممنطق في مذاهب !
( 49 )
رباعيتان
...
إن كان حقا قد أتى طوفان
من قبل أن نأتى لأن العصر كان
فظا خسيسا .. أبشرى يا أرضنا
حتما سيأتى عصرنا طوفان !
* * *
قالوا : لقد مرت عصور من جليد
بالأرض فانتحرت وعادت من جديد
أسفا لتحيا .. ما لها لا تنتحر
في عصرنا ؟ كم ذا تطيق من الجليد ؟ !
( 50 )
لا .. لا مفر من الخطيئة ،
(أوديب) تتبعك النبوءة ،
يا وَيْحَه قَدَرٌ تفر اليه منه !
ها قد قتلت أباك ، فاطرق باب طيبه ..
لتلوغ في أحضان أمك .
* * *
ما أتعس الانسان يَعْمَى حين يبصر !
ما أتعس الانسان يبصر حين يعمى !
يا أيها الظلام مرحبا .. يا أيها الظلام !
يا دربى الذي بلا اتجاه ،
يا أوسع الدروب للانسان .
لم تفقدوا الضياء يا عميان ..
فيها دروب المبصرين زيف !
يا طيبة الوداع ..
يا موطن الطاعون والزنا والخوف ،
يا ملعب الأصنام والكهان !
ما الزيف يا أوديب ما الحقيقة ؟
ما النصر ، ما الهزيمة ؟
ما الجبن ، ما البطولة ،
ما العهر ، ما الفضيلة ؟
ما أى شىء .. ما نقيض أى شىء ؟ !
كم تستوى الأبقار في الظلام ..
فكلها باللون كالغربان !
بنيتى يا أختى الوفية
خذى يدى إلى بعيد ..
إلى بعيد !
أن تكذب الدروب في الظهيرة .
فأفضل الدروب درب ليل .
يا أيها الظلام .. يا ضيائى الوحيد .
( 51 )
سيقال أفلس برجوازى صغير !
أو ربما اختلفوا فقالوا : برجوازى وسط !
وسيهرعون إلى المراجع ،
كقطيع جرذان يفر من القطط ،
ليقول لوقا : قال مرقص :
إن متى قال : يوحنا يقول :
( البرجوازى الصغير
كالبرجوازى الوسط
محض انتهازى حقير ! ) .
الكأس دارت ، جاء دورك يا ذبيح ،
فاشرب ، لكم جرعتها للآخرين !
كم كنت تلقى بالتهم ..
ذات اليمين
ذات الشمال
ما أبشع الأختام في لحم الذبائح .
قد جهزوا الخانات والأقلام والحبر الزفر !
فابصق عليهم .. ليس ثمة عنك نص ،
ما كنت يا كيخوت لص ،
بل كنت دوماً محض كلب !
ما أبغض الكلب الوفى إلى اللصوص ..
( 52 )
كما جئت بلا أكفان
لقى للشمس والغربان والذؤبان ،
خطايانا بلا غفران !
وممن نسأل الغفران
وكل يسأل الغفران ؟ !
خطايانا على أكتافنا صلبان .
ولكن فيم أذنبنا ؟
لماذا دونما ذنب تعذبنا ؟
تعذبنا .. تعذبنا .. تعذبنا ..
لأنا حين أحببنا
رأينا الناسَ والدنيا بعين الحب
فرتلنا نشيد الوجد للمحبوب :
( فداك الروح والأكباد
كنوز الأرض يا محبوب ! )
وأمنا بلا برهان ،
وصدقنا بلا منطق .
قديما قيل : أعمى القلب والعينين من يعشق .
خطايانا ويا للعار أنا من بنى الانسان .
الينا أيها النسيان ..
فليس لخاطئين بغير ما ذنب سوى النسيان ! .
( 53 )
بالأمس يا كيخوت خمر
واليوم يا كيخوت خمر
وغدا وبعد غد وبعد البعد خمر ..
يا عالم الزيف المزوق مثل وجه العاهرة !
ماذا تبقى للعطاش ..
غير الغرق ؟
هيا إلى الأعماق .. يا غوصا يلوح بلا نهاية !
الكأس .. حتى الكأس يا كيخوت زيف ..
مرحى .. أمن زيف لزيف ؟ !
لو تصدق الأحلام أحلام الكئوس ،
والنوم ، والصحو الكريه
هل كانت الأحلام دارت في الرؤوس ؟ !
يا عالم الزيف المزوق مثل وجه العاهرة !
بالأمس يا كيخوت خمر
واليوم ياكيخوت خمر
وغدا ؟ وبعد غد ؟ وبعد البعد .. خمر ؟
كيف المفر ؟ !

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن نجيب سرور

avatar

نجيب سرور

مصر

poet-najib-sorour@

24

قصيدة

شاعر مصري ولد عام 1932 في قرية إخطاب بمحافظة الدقهلية. لُقّب بـ "شاعر العقل" لتميز أسلوبه بالوضوح والبساطة وعمقه الفكري. تميزت كتاباته بالتنوع بين الشعر والنقد والمسرح. تزوج من الفنانة المصرية سميرة محسن. توفي ...

المزيد عن نجيب سرور

تصفح ايضا

avatar

بيرم التونسي

poet-Bayram-Al-Tunisi@

avatar

سمير الأمير

poet-Samir-Alamir@

أضف شرح او معلومة